سورة الكهف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِع مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26)}
{وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثلاث مِاْئَةٍ سِنِينَ} يريد لبثهم فيه أحياء مضروباً على آذانهم هذه المدّة، وهو بيان لما أجمل في قوله {فَضَرَبْنَا على ءاذَانِهِمْ فِي الكهف سِنِينَ عَدَدًا} ومعنى قوله: {قُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ} أنه أعلم من الذين اختلفوا فيهم بمدّة لبثهم، والحق ما أخبرك الله به.
وعن قتادة: أنه حكاية لكلام أهل الكتاب. و{قُلِ الله أَعْلَمُ} رد عليهم. وقال في حرف عبد الله: وقالوا لبثوا. وسنين: عطف بيان لثلثمائة. وقرئ {ثلثمائة سنين}، بالإضافة، على وضع الجمع موضع الواحد في التمييز، كقوله {بالاخسرين أعمالا} [الكهف: 103] وفي قراءة أبيّ {ثلثمائة سنة} {تِسْعًا} تسع سنين؛ لأن ما قبله يدل عليه.
وقرأ الحسن {تسعاً} بالفتح، ثم ذكر اختصاصه بما غاب في السموات والأرض وخفي فيها من أحوال أهلها ومن غيرها وأنه هو وحده العالم به، وجاء بما دل على التعجب من إدراكه المسموعات والمبصرات، للدلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حدّ ما عليه إدراك السامعين والمبصرين، لأنه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها حجماً وأكثفها جرماً، ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر {مَّا لَهُم} الضمير لأهل السموات والأرض {مِن وَلِىٍّ} من متول لأمورهم {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ} في قضائه {أَحَدًا} منهم.
وقرأ الحسن: ولا تشرك، بالتاء والجزم على النهي.


{وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)}
كانوا يقولون له: ائت بقرآن غير هذا أو بدله، فقيل له {واتل مَا أُوْحِىَ إِلَيْكَ} من القرآن ولا تسمع لما يهذون به من طلب التبديل، فلا مبدل لكمات ربك، أي: لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها، وإنما يقدر على ذلك هو وحده {وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءايَةً مَّكَانَ ءايَةٍ} [النحل: 101]. {وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} ملتجأ تعدل إليه إن هممت بذلك.


{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}
وقال قوم من رؤساء الكفرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نحِّ هؤلاء الموالي الذين كأن ريحهم ريح الضأن، وهم: صهيب وعمار وخباب وغيرهم من فقراء المسلمين، حتى نجالسك كما قال نوح: {أَنُؤْمِنُ لَكَ واتبعك الأرذلون} [الشعراء: 111] فنزلت: {واصبر نَفْسَكَ} وأحبسها معهم وثبتها. قال أبو ذؤيب:
فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً *** تَرْسُوا إذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ
{بالغداة والعشى} دائبين على الدعاء في كل وقت. وقيل: المراد صلاة الفجر والعصر. وقرئ: {بالغدوة} وبالغداة أجود؛ لأن غدوة علم في أكثر الاستعمال. وإدخال اللام على تأويل التنكير كما قال:
...... وَالزَّيْدُ زَيْدُ المَعَارِكِ ***
ونحوه قليل في كلامهم، يقال: عداه إذا جاوزه ومنه قولهم. عدا طوره. وجاءني القوم عدا زيداً. وإنماعدي بعن، لتضمين عدا معنى نبا وعلا، في قولك: نبت عنه عينه وعلت عنه عينه: إذا اقتحمته ولم تعلق به.
فإن قلت: أي غرض في هذا التضمين؟ وهلا قيل: ولا تعدهم عيناك، أو لا تعل عيناك عنهم؟ قلت الغرض فيه إعطاء مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى فذ ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك: ولا تقتحمهم عيناك مجاوزتين إلى غيرهم؟ ونحوه قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالهم إلى أموالكم} [النساء: 2] أي ولا تضموها إليها أكلين لها. وقرئ {ولا تعد عينيك، ولا تعدّ عينيك} من أعداه نقلا بالهمزة وتثقيل الحشو. ومنه قوله:
فَعُدْ عَمَّا تَرَى إذْ لاَ ارْتِجَاعَ لَهُ ***
لأن معناه: فعد همك عما ترى. نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزدرى بفقراء المؤمنين، وأن تنبو عينه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى زيّ الأغنياء وحسن شارتهم {تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا} في موضع الحال {مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ} من جعلنا قلبه غافلاً عن الذكر بالخذلان. أو وجدناه غافلاً عنه، كقولك: أجبنته وأفحمته وأبخلته، إذا وجدته كذلك. أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة، أي: لم نسمه بالذكر ولم نجعلهم من الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان وقد أبطل الله توهم المجبرة بقوله {واتبع هواه} وقرئ {أغفلنا قلبه} بإسناد الفعل إلى القلب على معنى: حسبنا قلبه غافلين، من أغفلته إذا وجدته غافلاً {فُرُطًا} متقدّماً للحق والصواب نابذاً له وراء ظهره من قولهم (فرس فرط) متقدّم للخيل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8